37
37
روضة الصائم

فتاوى يجيب عنها فضيلة مساعد المفتي العام للسلطنة

19 أبريل 2021
19 أبريل 2021

الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي -

• فيما يتعلق بالدعاء، تتولد لدى الإنسان نزعة في أن يجعل واسطة الدعاء بينه وبين الله هو المأثور، إن كان يحفظ شيئا أطال الجلوس، وإن كان لا يحفظ شيئا دعا بشيء قليل ثم انصرف، هل هذا احتكام إلى الشائع في الثقافة الإسلامية، أم يتعلق باطمئنان المسلم أن ألفاظه لا بد أن تكون سليمة؟ هل هذه برأيكم تحتاج إلى تصحيح أم هي طبيعية؟

لا ليست هي بطبيعية، بل تحتاج إلى تصحيح، أولا: ما هو جوهر الدعاء؟ هل طول الكلام وجمال الألفاظ وحسن الأقوال هو الذي ينفع الداعي؟ لا أحد من أهل العلم قال بذلك، وإنما مرد الأمر إلى الإخلاص بصدق التوجه إلى الله عز وجل وإلى اليقين والتعبد بهذا الدعاء، نحن الآن نتحدث عن الدعاء ولا نتحدث عن مطلق الذكر الذي يأتي به المسلم والذي ينبغي له أن يتصف به كما وصف الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين «وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ»، لب الدعاء هو صدق التوجه إلى الله تعالى، واليقين به سبحانه، واستحضار معنى العبادة بهذا الدعاء. وهناك آداب للدعاء كالطهارة، واستقبال القبلة، ومن آداب الدعاء اختيار المأثور من ألفاظ الدعاء، وأولى الأدعية ما كان في كتاب الله عز وجل على لسان أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام أو ما حكاه ربنا على لسان الأتقياء الصالحين من المؤمنين عبر تأريخهم مع كل الأنبياء والرسل الذين بعثهم سبحانه وتعالى إلى الناس، أو ما ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما كان دائرا في معاني أدعية القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير إسفاف ولا عدوان، فمن أجل ذلك كان الاحتراز فيما يتعلق بألفاظ الدعاء، لا يهم كثيرا طولها وقصرها، وإنما المهم ألا يكون فيها عدوان. والعدوان في الألفاظ بالتكلف وبمجاوزة الحدود وأن يأتي بألفاظ لا يفقه معناها ولا يعرف حقيقتها وما الذي يدعو به ربه وما الذي يسأله في موقفه ذلك. والإسفاف يكون بالإكثار من السجع الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن شتى؛ لأنه كان متكلفا، وكان أشبه ما يكون بسجع الكهان الذين كانوا يدعون علم غيب. الحاصل أن القاعدة الأصلية تدور حول الإخلاص لله تبارك وتعالى وصدق الإقبال إليه، وتمثل أن هذا الداعي في أمس الحاجة إلى رحمات ربه تبارك وتعالى وأن يطرق باب الملك الكريم بإيقان أن الله عز وجل هو الذي بيده أسباب كل شيء، وأنه القادر على كل شيء، وأنه الكريم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ولذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتسامى في ضراعتنا ودعائنا إلى الله تبارك وتعالى نجده يقول: (إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى فإنه أعلى الجنة وإنه وسط الجنة) أي أفضل الجنة، وهو عليه الصلاة والسلام كان مما أثر عنه أيضا في أذكاره حينما يقول (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر). وفي بعض الأدعية المأثورة عنه: (اللهم إني أسألك خير المسألة وخير العلم وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات، اللهم ثبتني وثقل موازيني وحقق إيماني وارفع درجاتي). ليتنا نقف عند مثل هذه الألفاظ التي تشحذ الهمم وتسمو بالطموح وتبعث هذه النفوس النائمة إلى فسيح التعلق بالله تبارك وتعالى. ثم يكون من آداب الدعاء ما يتعلق بما تفضلتم بالسؤال عنه وهو اختيار ألفاظ الدعاء المناسبة، وأفضلَها على الإطلاق هو ما تقدم بيانه مما كان في القرآن أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أثر عن علماء وأئمة أتقياء مما لا يخرج عن الأصلين السابقين، أو مما يجده في نفسه مما ليس فيه بغي ولا عدوان، ليس فيه دعاء بقطيعة رحم ولا إثم ولا اعتداء على أحد، فليدع بما في نفسه، فالله تبارك وتعالى لا تختلف عليه اللغات ولا ينظر إلى الأشكال والمظاهر وإنما الإخلاص وحسن التوجه وصدق القصد إلى الله جل وعلا هو الذي يبلغ العبد ما يريده منه، ثم اليقين كما هو معروف في فقه الدعاء، فالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقولن أحدكم دعوت فلم يستجب لي) وفي رواية أخرى (فإنه يستجاب لأحدكم ما لم يتعجل) والمقصود أن لا يقول مثل هذه العبارة فإنه إما أن يجاب دعاؤه أي أن يحقق له إجابة ما سأله أو يدفع عنه من السوء مثل ما دعا به أو أن يدخر الله تعالى ذلك في الآخرة فهو لن يعدم فائدة من هذه الفوائد. بعد ذلك ينبغي اختيار الألفاظ المناسبة وتحري البعد عن التكلف واختيار ما يناسب المقام أيضا، فالمكروب سيختار من الألفاظ ما يحقق له قصده من كشف الكرب وتفريج الهم، والمنعم عليه سيختار من الألفاظ ما يعبر به عن شكره وامتنانه لله تبارك وتعالى وتمكنه من أداء حق هذه النعمة وأن يكون متذكرا لحقوق الله عز وجل عليه وحقوق العباد عليه، وهكذا في مختلف الأحوال ومن يواسي غيره سيختار له من الألفاظ أيضا ما يناسب المقام، ومن يبارك لغيره في نعمة أصابته من ولد أو مال أو غير ذلك سيختار من الألفاظ ما يناسب؛ لأن الذي نجده أيضا في بعض كتب التراث والأدب مما يتعلق بالدعاء بألفاظ لا تناسب المقام نجد أمرا عجبا فيأتي على سبيل المثال في سياق التهنئة وما ينبغي أن يكون عليه الدعاء من التبريك على المنعم عليه وإذا به يأتي بأدعية المواساة على سبيل المثال، أو عندما يتعلق الأمر بالتهنئة والتبريكات فيأتي بما هو عكس ذلك تماما وهذا كثير ولا أظن أن واقعنا يخلو من مثل هذا أيضا.